سرعان ما تطور الأمر إلى أحداث عنف شهدت اقتحام مئات من المتظاهرين لمقر الكونجرس، واشتباكهم مع قوات الشرطة، ما ترتب عليه إلقاء القبض على العشرات ووفاة 4 من المتظاهرين، ومن ضمنهم امرأة توفيت بعد إصابتها برصاص الشرطة؛ وقد أعلن عمدة واشنطن فرض حظر التجول في المدينة للسيطرة على الموقف وتمكين أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب من استكمال اجتماعهم لاعتماد النتيجة النهائية، وهو ما حدث بالفعل ولكن بعد عدد من الساعات.
ورغم أن مثل هذه الأحداث لم يسبق لها مثيل في السياسة الامريكية، كانت يتوقعها العديد من الساسة والمحللين، خصوصًا في ظل خطاب التصعيد والتحريض الذي تبناه ترامب منذ هزيمته في الانتخابات في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وكذلك في ظل شعبية ترامب ودعمه من جماعات اليمين العنصري المتطرف، والجماعات المتعصبة للعرق الأبيض كجماعة “الأولاد الفخورون” والـ “كي كي كي” التي دائمًا ما نظرت إليه كمصدر للتشجيع كما أكدت تقارير عديدة.
كيف يؤثر اقتحام الكونجرس في الديمقراطية الأمريكية؟
لقد أثار مشهد اقتحام الحشود الغاضبة للكونجرس انتقادات عديدة من سياسيين أمريكيين ديمقراطيين وجمهوريين على السواء، وقد انضم إلى هذه الانتقادات العديد من السياسيين الأجانب سواء أكانوا من مسؤولي الاتحاد الأوروبي أم وزراء خارجية دول أوروبية عديدة. وأكد العديد من الساسة والمُعلِّقين أن هذا العنف كان مُتوقعًا نتيجة للأكاذيب التي استمر ترامب في تصديرها لأتباعه بشأن سرقة الانتخابات وتزويرها، وكذلك تماهي قيادات الحزب الجمهوري مع هذه الادعاءات وعدم إخبارهم لأتباعهم بالحقيقة.
ورغم أن ترامب ظهر بعد ساعات من بدء العنف في بيان مصور دعا فيه أنصاره للعودة إلى منازلهم، فإنه كرر مزاعمه بشأن حدوث تزوير في الانتخابات الرئاسية؛ ولم يعلن قبوله بتسليم السلطة في 20 يناير/ كانون الثاني إلا عقب انتهاء الجلسة المشتركة للكونجرس من أعمالها وتصديقها على فوز جو بايدن. ويرى العديد من المعلقين أن ترامب بهذا قد “دنس التقاليد السياسية الأمريكية، وسيكون هذا إرثه الدائم”.
ومما لا شك فيه أن رفض ترامب التنازل عن منصبه طوعًا وبكياسة وكرامة، بل وتشجيعه لأعمال العنف بدل محاولة إخمادها كانت سابقة من نوعها في السياسة الأمريكية، ولكنها ستلقي بظلالها على المجتمع الأمريكي المنقسم بشدة حاليًّا، بل إنها كذلك ستزيد من الانقسامات داخل الحزب الجمهوري ذاته الذي أعلن عدد من قياداته رفضهم مزاعم ترامب بتزوير الانتخابات، وهي المزاعم التي تَلقى رواجًا بين قواعد الحزب الداعمة والمصدقة لترامب.