مشهد هو الأول من نوعه داخل مدينة الموصل العراقية، عشرات الفتيات والنساء فوق دراجاتهن يَجُبن المدينة وشوارعها وسط فرحة وذهول الجميع في الوقت ذاته، بينما تظهر خلفهن آثار الدمار التي تركها تنظيم “داعش” شاهدةً على التطرف.
تحت شعار “ماراثون التحدي.. بناء جسور لا جدران”.. انطلقت 35 فتاة عراقية، الاثنين 12 أبريل، في عرضٍ استثنائي يؤكدن خلاله أهمية وحدة المجتمع العراقي وتكاتفه، ورغبتهن في ترميم الشروخ التي خلفها الإرهاب ببلدهم.

من “جامع النوري الكبير”، الذي استخدمه أبو بكر البغدادي، زعيم داعش السابق، للإعلان عن خلافته التي روّجت للقتل والإرهاب والدمار والعنف، وصولاً إلى شارع النجفي، كانت رحلة فتيات الموصل.. حقوق المرأة والسلام وإحياء تراثهم كانت رايتهن.
الماراثون حجر الأساس ونقطة الانطلاق نحو دعم المرأة في الموصل وتعبيرًا عن حقوقها، كما تقول الناشطة المدنية المشاركة سرور هلال، لـ”ذات مصر”: “وضعنا بصمتنا الأولى.. وتعمدنا أن يكون في الموصل القديمة لتصل مُعاناة المدينة إلى كل المحافظات والعالم، أننا لا زلنا لم نترمم من آثار الحروب ولكن ستنهض المدينة بشبابها”.

لا تشغل الانتقادات التي واجهت الفتيات خلال الماراثون بال “سرور”، إذ تؤمن بأن طريق التغيير مليء بالصعوبات، وسيتحملن حتى يقلدهنَ الجميع.. ويصبح “ركوب الدراجات الهوائية وسيلة سلمية للتعبير عن النساء في المجتمع”. وترى أن المرأة اليوم تستطيع قيادتها بكل سهولة، فضلًا عن أنها رياضة صحية غير مُكلفة وصديقة للبيئة.
تُبدي الناشطة المدنية رغبتها في استكمال الطريق بقولها: “سنشجع البنات على الذهاب إلى المدرسة والعمل عبر الدراجة الهوائية.. فريق الدراجات البداية، وسيكون لنا نشاطات مستقبلاً لخدمة المدينة والمرأة العراقية”.

العنف ضد المرأة العراقية
استخدم داعش العنف الجنسي بشكل واسع النطاق وممنهج كأداة للحرب في العراق، مستهدفًا آلاف النساء من جميع الطوائف والأقليات وبشكل أكثر تنكيلاً ضد الإيزيديات. كما فرض قيودًا صارمة على حرية الملبس والتنقل للنساء والفتيات في الموصل وعزلهن عن الحياة العامة. ومارس القتل والاختطاف لمن ترفض الزواج من مقاتلي التنظيم، وفق تقرير الظل لـ”سيداو” عام 2019.
ورغم طرد التنظيم بشكل كامل من المدينة وإعلان تحريرها في 9 يوليو 2017، فإن النساء والفتيات من خلفيات مختلفة في العراق لا تزال عُرضةً للعنف إن كُنَّ في المنازل أو المدرسة أو الأماكن العامة، بحسب تقرير لـ”اليونسيف”.
نساء التقين معا من أعمار مختلفة، وقوميات وأديان مختلفة، تجمعنَ وتدربنَ لأكثر من أسبوع حول قيادة الدراجات الهوائية وإجراءات السلامة، ضمن مشروع “معًا للسلام”، الذي تنفّذه منظمة “جسر إلى – UPP الإيطالية”.
في نظر منظمة “جسر إلى” فإن الماراثون النسائي هدفه “إحياء مدينة الموصل” أيضًا، وإظهار رغبة أبنائها في إعادتها مرة أخرى لرونقها وجمالها.
يقول المسؤول الإعلامي للمنظمة لـ”ذات مصر” إن المرأة العراقية لديها القدرة وباستطاعتها أن تُنتج وتثبت وجودها في بناء السلام والتماسك الاجتماعي في محافظة نينوى خاصة، وفي العراق عامةً.

لم تغمر الفرحة فتيات الموصل فقط، بل عبر مسؤولون في المدينة عن أهمية الحدث، وعلى رأسهم منهل محمد خلف، مدير مديرية شباب ورياضة نينوى، بقوله: “اليوم نحن في سرور لإقامة هذا الماراثون الأول بعد تحرير المحافظة، وهذه الفعالية التي فاجأتنا بحضور هذا العدد الهائل من المتسابقات ومن مختلف المكونات في نينوى”.
كسر الماراثون الأنماط السائدة والحاجز الذي وُضع بين نساء الموصل لسنوات، وهو ما دفع “خلف” للتأكيد: “لن يكون هذا الحدث الأخير، بل ستقام ماراثونات أخرى للنساء لتشجيعهنّ على ممارسة الرياضة النسوية في المحافظة”.
اقرأ أيضًا:
الجامع النوري بالموصل.. برج بيزا العراقي مُرعب “الدواعش”
الحسناوات والناشطات.. يُذبحن في العراق!
تقارير الاستجواب التكتيكي.. هل تكشف النقاب عن زعيم داعش الغامض؟