• وصفتَ سابقًا أن روايتك الأخيرة “الحماقة كما لم يروِها أحد” بمثابة روايتين في رواية.. ماذا معنى ذلك؟
هي كذلك بالفعل، لا أقل ولا أكثر.. إنها هديتي لنقادنا “الكبار جدًّا”!
• لاقت روايتا “حب في خريف مائل” و”يوم رائع للموت” ترحيبًا نقديًّا كبيرًا في فرنسا بعد ترجمتهما.. كيف تلقيت الأمر؟
إنه أمر بقدر ما أسعدني، أحزنني أيضًا، لأنه يثير سؤالاً قديمًا جديدًا، كثيرًا ما أرقني: لماذا لا نملك منظومة نقدية وإعلامية في العالم العربي تقدّر الإبداع الجيّد بعيدًا عن الجوائز؟
لماذا يستمر النقد العربي في الإصرار على تخلفه، بل يُشعرك أيضًا أنه مستمتع بالهوة التي صنعها لأسباب أيديولوجية ومالية ومصالحية، بينه وبين الأدب المتميّز؟
ثم ما الذي دفع بإعلامنا الثقافي إلى تحييد دوره، ليصير مجرد إعلام فضائحي لا تثيره التجارب الأدبية والفكرية، بقدر سعيه لتحقيق “السبق الفضائحي”؟ إنها أسئلة تعود لتؤرقني مع صدور أي مقال يتناول أعمالي المترجمة، خاصة روايتي “يوم رائع للموت” التي كتبت بلا شك على غرار “الحالم” و”سلالم تروللر” و”هلابيل” و”الحماقة كما لم يروها أحد”، هل نحتاج دائمًا إلى فيزا الآخر لنعترف بالمتميز لدينا؟
• دومًا تكرر أن “النقد العربي متأخر عن قاطرة السرد” وغير مستوعب لحركتها، ويوجد من يتهمك بالتحامل على النقاد وحركة النقد العربي..
بل مُصِّر جدًّا على هذا الاعتقاد، فحين أقرأ ما يصدره بعض نقادنا من كتب وما ينشرونه من مقالات، وهم نقاد صُنفوا لأسباب لا أفهمها في مصاف النقاد الكبار، تدرك تمامًا اتساع الهوة بين ما يُكتب في الإبداع وما يكتبونه.
مثلاً مؤخرا قرأت لأحدهم يصف أعمالي بالفنتازية والسحرية، بل يوجد من انتقد فصل “إيلاغين” في روايتي “سلالم تروللر” ويعتبره خارجًا عن سياق الرواية، رغم أن أي مبتدئ في النقد سيدرك بلا جهد سبب وجود هذا الفصل في العمل.. توجد أمثلة لا تحصى تجعلني وأنت تسألني عن النقد العربي، أتصور أنك تسأل عن كائن لم يُخلق بعد، ومع ذلك تصر على فكرة وجوده.
• الجوائز الأدبية العربية كثيرًا ما وقعت تحت نيران تصريحاتك، رغم مشاركتك كمرشح أكثر من مرة في سباق تلك الجوائز.. كيف تقارب المسألة؟ وكيف تفسر هذا الموقف الذي يبدو تناقضًا؟
بالنسبة إليّ، لا تمثل الجوائز العربية إلا فرصة مالية تسمح ببعض البحبوحة المؤقتة، أما أدبيًّا فهي أبعد ما تكون عن فكرة تكريس أدب حقيقي ذي قيمة، فكل تصريحاتي بخصوصها لا علاقة لها بأي نوع من الخيبة الأدبية، بل فقط الخيبة المالية، لأن الجميع يعرف الحقيقة التي لن يصرح لك بها أحد، فحتى الفائزون بهذه الجوائز يعرفون أنها لا تمنحهم وهجًا إبداعيًّا، يجعلهم على يقين أن إبداعهم جيّد، ومعظم سعادتهم ليس بالجائزة، بل فقط بنوع الشقة التي يشترونها، والسيارة التي سيركبونها بفضل الجانب المالي لهذه الجوائز.
بالطبع فلتت أسماء جميلة ونصوص أجمل من مقصلة هذه الجوائز، ولكنه استثناء لا يصنع القاعدة، فاليقين الوحيد أنها منظومة فاسدة تتداخل فيها المصالح والأيديولوجيا والسياسة والجنس والمال.. منظومة لأي شيء إلا الأدب.. أقول ذلك وسأستمر في قوله، ولكن دون أن أمنع نفسي من الترشح لها، فمن يدري فقد أكتب ذات يوم رواية رديئة، تسمح لي رداءتها بأن أفوز بتلك الجوائز العربية المهمة.