عن غير عمدٍ سكنه حب الحلاقة، فيها يشعر بأنه المُعلم، بأدواتها يصنع فنًّا يُجيده.. على وقعها باتت له مكانته بالقرية الصغيرة، حتى حين التحق بالخدمة العسكرية، رغم عمله كسائق طوال فترة التجنيد، اكتسب شهرة وسط زملائه كحلاق: “كنا بالليل نقعد في الكتيبة وأحلق لهم”.. أجواء مرحة يملؤها الضحك والسمر تصاحب تلك المهمة حرص عليها “منصور” حتى في إجازاته: “كنت باروح جدعنة كدة أحلق مع نسيبي في إجازات الجيش.. حب للحلاقة مش حاجة تانية”.
بخفة شديدة كاد الرجل، صاحب الـ65 ربيعًا، ينتهي من زبونه القاعد تحت إحدى شجيرات الحقل يتأمل بالمرآة الصغيرة وجهه: “الحلاقة كلها بتاخد مني نص ساعة.. ممكن تزيد 5 أو 10 دقايق مش أكتر”، وما إن فرغ حتى مازحه بحكم الصداقة القديمة: “شوف نفسك بقيت عمدة أهوه”..
يبتسم زبونه وهو يمعن النظر بملامحه من خلال تلك المرآة، وينهض رفقة حقيبته التي يضعها على المقعد الخلفي لدراجته الهوائية التي يقودها مُجددًا ليعود أدراجه: “الزبون اللي بعده بقى”.
كانت مهنة الحلاقة تدر الربح على حلاق “أتميدة” قبل عقود معدودة: “كنت ممكن أحلق لـ200 بيت، حاليًّا العملية خفت شوية بقى ممكن أحلق لـ30 أو 40 بيت”، وذلك بمقابل موسمي حسب نوع المحاصيل: “باحلق للناس مقابل القمح والرز اللي باخده آخر الموسم أبيعه وأمشّي به حالي”، ولهذا أصرّ والده على وجوده برفقته بالقرية لمساعدته في تربية وتعليم إخوته: “بعد الجيش كنت عاوز أعيش في شبرا مع ولادي ومراتي”، غير أنه أدرك لبقائه أهمية كبرى فبقي.