نفي الرئيس الكيني أوهورو كينياتا، مطلع أكتوبر/تشرين الأولى الحالي خلال وجوده في زيارة رسمية في فرنسا، عِلم حكومة بلاده بخطط الجيش الأمريكي شن ضربات بالمسيرات داخل أراضيها لمكافحة أنشطة جماعة “شباب المجاهدين” الصومالية الإرهابية، التي تتصدر لائحة الخارجية الأمريكية لأخطر التنظيمات الإرهابية في إفريقيا.
ولم يؤكد كينياتا عقب تقارير أمريكية متكررة (خصوصًا في كبريات صحفها) طلب وزارة الدفاع الأمريكية من نيروبي السماح لها بالقيام بضربات جوية شمال شرق كينيا ومناطقها الساحلية، حيث يخوض الجيش الأمريكي معارك منذ 14 عامًا تقريبًا، لافتًا إلى أنه حتى في حال إحاطة حكومته علمًا فإنه يَعتبر الخطوة غير ضرورية بالمرة([i]).
بعدها بساعات (4 أكتوبر/تشرين الأول الحالي) دفعت نيروبي بقوات كينية خارج مظلة الاتحاد الإفريقي (للمرة الأولى منذ العام 2012) إلى الأراضي الصومالية لمواجهة تهديدات جماعة الشباب، وكذلك ردًّا على تصاعد الرفض الشعبي الصومالي لوجود قوات كينية هناك، خصوصًا في مدينة بلد-هاوو Balad-Hawo الصومالية القريبة من الحدود مع كينيا.

إرهاب يتصاعد
تصاعدت العمليات الإرهابية في كينيا بنحوٍ ملحوظ منذ غزو قواتها جنوبي الصومال في العام 2011، وما تلاه من وضع الأهداف الكينية على لائحة أنشطة حركة الشباب الصومالية، ومن أبرزها حادث “ويستجيت مول” في العام 2013 الذي أودى بحياة 67 مدنيًّا كينيًّا وجرح المئات، ثم حادث جامعة جاريسا (2015)، ومجمع فندق دوسيت Dusit بنيروبي (2019). وزاد توغل عناصر “الشباب” في شمال شرقي كينيا منذ نهاية العام 2019 مع وجود توجه متزايد لقبول أنشطتهم والتغطية عليهم بين الأهالي([i]).

وفي مطلع العام 2020 نفت جماعة “الشباب” أن تكون هددت بشن هجوم على كينيا، على خلفية حملة اعتقالات نفذتها قوات الأمن الداخلي الكينية في صفوف “متعاطفين مع جماعة الشباب” تجاوزوا 2000 معتقل معظمهم “من الأجانب”، احتجوا على اعتقال الشيخ عبد الله الفيصل، جامايكي الأصل ([i]).
وتزامن هذا التصاعد مع نجاح الجماعة في تجنيد عناصر صومالية (من الذكور والإناث) في إقليم “مقاطعات الحدود الشمالية” Northern Frontier Districts (ذي الأغلبية الصومالية، والذي اقتطعته كينيا من الصومال بعد الاستقلال رغم تصويت غالب سكانه لصالح الانضمام إلى الصومال وتجاهل نيروبي لهذا التصويت بالمخالفة لخريطة الطريق البريطانية، القوة الاستعمارية السابقة في كينيا، والصومال البريطاني) منذ مارس/آذار 2020 على خلفية تداعيات جائحة كوفيد-19 وتزايد حدة الفقر (يتحصل أكثر من ثلث سكان كينيا على دخل دون خط الفقر العالمي وفق تقديرات البنك الدولي)، ونجاح “الشباب” في استخدام المال كتكتيك لتجنيد عناصر جديدة([ii]).

وتشهد الحدود الكينية الصومالية أزمة خطيرة منذ منتصف سبتمبر/أيلول الفائت مع تزايد المظاهرات الشعبية الصومالية في مدينة “بلد-هاوو” ضد قوات الدفاع الكينية (الموجودة ضمن بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”) على خلفية اتهامهم لها بارتكاب جرائم ضد الإنسانية “ضد الشعب الصومالي”، ودعوتهم المتزايدة لانسحاب القوات الكينية من المنطقة([i])، وفاقم من هذا التوتر في نهاية سبتمبر/أيلول الماضي وقوع اشتباكات خاطفة بين قوات صومالية وكينية على الحدود بين البلدين عقب إطلاق القوات الكينية النار على متظاهرين صوماليين احتجاجًا على قتل القوات الكينية و”شرطة مكافحة الإرهاب” 3 صوماليين في وقت سابق، ومنعِهم من الاقتراب من الحدود الكينية، عند نقطة صومالية- كينية- إثيوبية مشتركة([ii]).
وانخرط إرهابيو جماعة الشباب في التوتر وتذكيته عبر كمين لقوات نظامية كينية في مقاطعة مانديرا قرب الحدود الصومالية قتل خلاله ضابط كيني وأصيب آخرون، ورد هذه القوات بقتل 5 مسلحين من الشباب([iii])، ثم إقدام مسلحي الشباب على اختطاف 3 موظفين كينيين في مقاطعة مانديرا خلال توجههم إلى مدينة لافي Lafey باستخدام حافلة نقل عامة([iv]). في حين أعلن الجيش الوطني الصومالي مطلع أكتوبر/تشرين الأول قتله 18 عنصرًا من “الشباب”، منهم قائد للعمليات في منطقة باريري Barire بإقليم شبيلي الأدنى الجنوبي المتاخم لكينيا([v]).
كينيا وإثيوبيا وبينهما الصومال
تعتمد المقاربة الكينية لمواجهة الإرهاب على مسارين رئيسين، أولهما المواجهة العسكرية الحاسمة والاستباقية عند الضرورة لعناصر “جماعة الشباب” في الصومال أو داخل الأراضي الكينية. ويعتمد المسار الآخر على “احتواء” العناصر الكينية المنتمية لجماعة الشباب، كما جرى عقب حادثة جامعة جاريسا الإرهابية، إذ أعلن وزير الداخلية الكيني وقتها جوزيف نكايسيري J. Nkaissery العفو عن أعضاء الجامعة الذين يرغبون في العودة إلى كينيا “لتشجيع المغرر بهم” من صفوف أعضاء الجماعة ([i]).
ويظل إقليم جيدو على الحدود مع كينيا (وإثيوبيا) ساحة لمعارك الجيش الصومالي منذ نشره قواته في فبراير/شباط 2020 لمواجهة قوات أمن ولاية “جوبالاند” على خلفية الأزمة بين الرئيس محمد عبد الله وزعيم إقليم جوبالاند أحمد إسلام مادوبي A. I. Madobe. وشهدت مدينة بلد-هاو Balad-Hawo الواقعة على الحدود الصومالية- الكينية منذ نهاية سبتمبر/أيلول 2020 توترًا بالغًا بين الأهالي من جهة، ومن أخرى قوات الدفاع الكيني التي يتهمها الأهالي بارتكاب انتهاكات ضدهم، خاصة فريقًا يعمل تحت قيادة بعثة الاتحاد الإفريقي في الصومال “أميصوم”، التي لم تصدر ولا قوات الدفاع الكيني بيانًا تفند فيه الاتهامات، في حين أكد الجيش الصومالي تورط عناصر من الجيش الكيني في انتهاكات وأعمال إجرامية داخل إقليم جيدو، وتواصل التعاون الوثيق بين القوات الكينية وقوات الأمن في إقليم جوبالاند، وحذرت الجيش الصومالي من انتهاك “السلامة الإقليمية” لكينيا، وسُوِّيَت المسألة نسبيًّا بعد اجتماعات دبلوماسية([ii]).

وبذلت إثيوبيا، التي تسعى لتعزيز قيادتها للإقليم والهيمنة عليه، منذ العام 2019 ، جهودًا للوساطة بين الصومال وكينيا لتخفيف التوتر بينهما، على خلفية سحب نيروبي سفيرها من مقديشو احتجاجًا على قرار الأخيرة إجراء مزايدة لاستكشاف مواقع للبترول والغاز، في المنطقة البحرية المتنازع عليها بين البلدين أمام محكمة العدل الدولية([i]).
خيارات مقديشو الصعبة
يأتي تصاعد التهديدات الإرهابية وسط مفاوضات كينية مع الاتحاد الإفريقي لسحب قواتها من الصومال في العام المقبل (2021)، بعد أن نجح التدخل في طرد جماعة الشباب من غالب المدن التي كانت تسيطر عليها منذ العام 2011 وتحسين بيئة الأمن الداخلي في المناطق الكينية المتاخمة للصومال (مثلث مانديرا الذي تطل عليه إثيوبيا أيضًا)، وإن لم يقض التدخل الكيني- الإثيوبي تحت مظلة الاتحاد الإفريقي بتوقف عمليات جماعة الشباب([i]). ولوحظ ما وصفه البعض بذكاء تكتيكات جماعة الشباب التي خرجت من المدن ونجحت على مدى سنوات في السيطرة على الطرق المهمة التي تربط الصومال بكينيا، وداخل إقليم المقاطعات الحدودية الشمالية، عوضًا عن امتلاك “الشباب” شبكات استخباراتية قوية داخل المدن الصومالية وفي الأراضي الكينية المتاخمة للصومال، تمكنهم من تنفيذ الهجمات الإرهابية الخاطفة على المدى البعيد([ii]).

مأزق صومالي
ويواجه الصومال مأزقًا صعبًا في ضوء إعاقة التهديدات الإرهابية مساعيه لإعادة بناء الدولة، وتعزيز فرص التدخل الخارجي العسكري مرة أخرى لتعيد البلاد إلى المربع صفر بعد نحو 10 أعوام من خروج القوات الكينية- الإثيوبية من البلاد. تقود تراكمات الموقف المتأزم والمتشابك في التهديدات الإرهابية على خلفية توتر إقليمي واضح إلى تعزيز فرص اتساع نطاق التوتر والعودة إلى الوضع الكارثي في المنطقة في العام 2011-2012، وربما تبدو دلائل ذلك في ما شهدته المنطقة الحدودية (4 أكتوبر/تشرين الأول 2020) من عبور قوات كينية غير تابعة لأميصوم الحدود مع الصومال([i]) للمرة الأولى منذ العام 2012 لمواجهة مقاتلي “جماعة الشباب”، في تكرار لمقدمات الغزو الكيني للصومال، وفي ظل اضطراب عملية إعادة بناء الدولة في الصومال بفعل انشقاقات إقليمية داخلية، وتدخل خارجي متزايد.
المصادر
التي تدعم موقف كينيا في النزاع الحدودي البحري مع الصومال على منطقة تشهد استثمارات ضخمة لشركة توتال الفرنسية بها)