مصنع الشخصية
رغم أبحاث ونظريات علم النفس التي تؤكد أن شخصية الإنسان تتكون بفعل العوامل المحيطة وظروف البيئة والنشأة، يضع دوكتر تصورًا جديدًا لكيفية اكتساب الإنسان صفاته الشخصية وطريقة تصنيف البشر قبل ميلاد الروح على الأرض، كما صوّرها في “عالم قبل الميلاد”، إذ تختار “جيري”، المسؤولة عن الحلقة الدراسية للروح وتأهيلها للحياة، عددًا جزافيًّا منهم وتوجهه إلى أجنحة هذه الصفات التي تصادفها في الطريق.
صُمّم عالم “ما قبل الميلاد” في الفيلم، حيث تتأهل الروح للعيش على الأرض، بألوان باستيل التي يغلب عليها الأزرق والأخضر، دلالة على براءة ونقاء هذه الأرواح، عكس عالم “ما بعد الحياة” الذي يتمثل في هوة سحيقة ذات ضوء باهر، تعمل بطريقة صاعق الحشرات وسط ظلام دامس.
ومع ذلك جاء تصوير عملية التأهيل بشكل روتيني يغلب عليه عدم الاكتراث بطريقة تحديد صفات البشر، والسمات السلبية التي تكتسبها هذه الأرواح بنحو اعتباطي لا يتبع حكمة معينة أو خطة واضحة، ففي أحد مشاهد الفيلم حين يدخل “جو جاردنر” إلى قاعة مؤتمرات تجتمع فيها الروح التي لم تولد بعد مع مُرشدها، يُقدَّم فيديو دعائي لطريقة التأهيل، يستعرض أنواع الشخصيات، ويُقدم أحدها على أنه نرجسي وانتهازي، فيرد الشخص المُعلن: “هذه شخصية يصعب التعامل معها، لكنها مهمة الأرض”، كأنه أمر لا يعنيهم على الإطلاق.
يقدم دوكتر نوعًا من الإسقاط على شخصيته في الواقع، من خلال أحد مشاهد الفيلم، حين ترسل جيري عددًا من الأطفال ليصيروا شخصيات منعزلة ومنكبة على نفسها، فيخبرها جيري آخر أنه “يجب أن نكف عن إرسال الكثير منهم إلى هذا الجناح”.
وقد وصف دوكتر نفسه في أحد الحوارات الصحفية بأنه “طفل غريب الأطوار من منسوتا”، حيث كان طفلاً منعزلًا منكبًّا على الدراسة وممارسة هواياته الخاصة بمفرده، الأمر الذي عرَّضه للتنمر.
وقد تكون هذه الإشارة في Soul هي طريقته في التعبير عن محاولاته للتخلص من عزلته وحبه للعمل وحيدًا، رغم تذكير نفسه دائمًا بأنه يجب أن يتواصل مع البشر.. لكن في النهاية لم تكن بيده حيلة؛ لقد خُلق هكذا.
في رحلة روح “جو جاردنر” خارج جسده ومراقبته لـ”22″ وهي تتعامل مع الحياة للمرة الأولى بمرح طفل يستكشف منطقة ملاهٍ ممتعة، يكتشف ما أهدره من وقت دون أن يدرك أن الوجود في الحياة وتثمين كل لحظة تمر على الإنسان بها هو هدف مهم في حد ذاته، وهي قيمة ربما بدأ كثير من البشر يدرك أهميتها في ظل وجود فيروس كورونا، الذي منع الملايين من ممارسة حياتهم العادية، ووجدوا أنفسهم في مواجهة الموت، ففهموا أخيرًا أن الاحتفاء بالحياة والاستمتاع بكل لحظة فيها أهم هدف في الوجود.