وبالتالي، يواصل “نورين” حديثه إلى “ذات مصر”، وجد رئيس الوزراء نفسه أمام خيار واحد، “إقالة القراي”، لكنه لم يقدم عليه بنحو مباشر، بل قرر دفع الرجل إلى الاستقالة بنفسه، فأصدر قرارًا بتجميد العمل بالمقترحات المطروحة من إدارة المركز القومي للمناهج والبحث التربوي وتكوين لجنة قومية تضم التربويين والعلماء المتخصصين وتمثل كل أطياف الآراء والتوجهات، من أجل إعداد المناهج الجديدة حسب الأُسس العلمية المعروفة، على أن تراعي التنوع الثقافي والديني والحضاري والتاريخي للسودان، ومتطلبات التعليم في العصر الحديث، الأمر الذي أجبر عمر القرّاي إلى تقديم استقالته، ربما خشية إقالته المحتملة.
هرج سياسي
من جهته، وصف الشيخ عبد المجيد حامد، من الطريقة القادرية الصوفية، ما حدث بـ”الهرج السياسي وإقحام المناهج الدراسية -التي كان ينبغي توخي الحياد الأكاديمي في إعدادها- على الدعاية السياسية والفكريّة”، واعتبر “حامد” في حديثه إلى “ذات مصر” أن حكومة “حمدوك” لا تزال “عاجزة عن فهم الواقع الناجم عن 3 عقود من الحكم الاستبدادي الذي استغل المشاعر الدينية لتنفيذ أجندته السياسية والفكرية”، فخلف ذلك تشوهات كثيرة في بنية الوعي الجمعي للمجتمع السوداني، لذا فإنّ توخي الحيطة والحذر، خاصة في ما يتعلق بالجوانب الدينية والقبليّة التي كرّسها النظام السابق، أمر ضروري تنبغي مراعاته في اتخاذ أي قرار سياسي ذي صلة بهما، وهذا ما لا تتحسب له حكومة الفترة الانتقالية، ما يوقعها في فخ الجماعات السلفية والإخوانية ويعرضها لهزات كبيرة.
وفي ما يتعلق باستقالة مدير المناهج، فإنه دُفع إلى ذلك دفعًا، فقد أصرّ في تصريحات سابقة على تمسكه بمنصبه، وقال إنه لن يخضع لابتزازات المهووسين، لكن رئيس الوزراء سحب البساط من تحت قدميه بإعلانه تجميد المناهج التي أعدها مركزه، وأحال الأمر برمته إلى لجنة قومية، ما يعني ببساطة إفراغ منصبه من مهامه الرئيسة.
يستطرد “حامد”: “بصرف النظر عن أفكاره التي هي محل احترام وتقدير، فالقرّاي شخص مثير للجدل، قابل للاستدراج إلى الفخ، كما أنه مصادم ومباشر، وهذه أمور تتنافى مع وظيفة حساسة مثل إدارة مركز لإعداد المناهج، فضلاً عن توليه الرد على خصومه مباشرة من خلال أجهزة الإعلام، وحرصه الشديد على الدفاع عن نفسه عبر جدل ديني مستمد من الفكر الجمهوري الحداثي الذي لا يزال محل شك، على الأقل، من معظم المسلمين السودانيين التقليديين، لذلك خسر الرجل معركته مبكرًا، ولم يجد من يدافع عنه، فقد تنصل عنه الجميع حتى رئيس الوزراء.
حفل تجريح رئيس الوزراء