وتتراوح أسباب الفشل الطويل لهذا المشروع/ الدعوة ما بين انجذاب رجل الشارع إلى مقولات الأسلاف والنزعة الخطابية الخالية من المعرفة والنقد التي تلبي رغبته الدفينة في الطاعة والاستسلام لسلطة أدبية تختار وتقرر له في حياته بالنيابة عنه وتحدد له ما يجب فعله وما يجب تركه، وما بين اعتماد مؤسسات دينية وجماعات حركية لمقولات الأسلاف هذه في احتكار “فهم الدين” وتأويله وتأطيره وحمايته بعد إقامة نفسها وصيّةً عليه، ومن ثم تستثمر النزعة الوجدانية لدى المسلم العادي في تمرير مشروعها السلطوي: أكان في حقل المعرفة أم في مجال السياسة.
بين ناري المؤسسات الدينية التي تقر بالتجديد لفظاً فقط (إعادة النظر في التراث ككل، كمُنتَج اجتماعي لعصور سابقة)، وبين الوعي الشعبي المحمل بحمولات دينية عميقة وعاتية، والمُستثمر سياسياً من قِبَل الحركات الدينية، تقف كل المشاريع التجديدية تحاول جاهدةً زرع جذورها في أرض الواقع الاجتماعي.
في خضم هذه التعقيدات البنيوية، خصوصاً مع تفجّر الأصولية الناهضة باسم الإسلام، تنمو الحاجة إلى تعاطٍ مع المسألة الدينية بروح علمية وكونية، وإلى تأويلٍ للنص الديني ينسجم مع روح العصر.
وتفرض ضغوط الواقع ومآسيه على هذا التأويل أن يمتلك روحاً طموحاً كي يشمل إعادة صياغة المعنى والمغزى من المقولات الدينية والشعائر فتصبح مرتبطة بهَمّ النهضة والتغيير والبعث الحضاري،